إسرائيل في فخ "طوفان الأقصى"- الغطرسة الاستراتيجية والعواقب الوخيمة.

المؤلف: محمود سلطان10.06.2025
إسرائيل في فخ "طوفان الأقصى"- الغطرسة الاستراتيجية والعواقب الوخيمة.

في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" بفترة وجيزة، وتحديدًا بعد مرور أسبوع تقريبًا (في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، نشرت مجلة The Atlantic مقالًا رئيسيًا تحت عنوان: "إسرائيل تسير نحو الفخ"، مع عنوان فرعي أكثر وضوحًا: "اقتحام غزة سيحقق رغبة حماس"..!!

في تفاصيل التقرير، الذي حرره حسين إبيش، يتبين أن حماس، من خلال عملية (7 أكتوبر/تشرين الأول)، لم تهدف فقط إلى استعراض قوتها العسكرية وكشف نقاط الضعف في الاستخبارات والدفاعات الإسرائيلية، بل سعت بشكل أساسي إلى إحداث هزة عنيفة تؤدي إلى تأجيل مشاريع التطبيع الكبرى والمحتملة في المنطقة، واستفزاز إسرائيل ودفعها إلى شن هجوم شرس على غزة. وكان الهدف من ذلك تبديد موجة التعاطف الدولي التي حظيت بها إسرائيل في الأيام الأولى للعملية، واستبدالها بغضب عارم بسبب المعاناة التي لا مفر منها لسكان غزة الذين يبلغ عددهم مليوني نسمة.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

فاطمة تحارب الجوع في غزة لتنقذ جنينها

list 2 of 2

أم غزية تجد ابنها بين الجثث المجهولة وتحمد الله أنه كامل

end of list

يؤكد التقرير أن حماس لم تكن لتخطط بعناية فائقة لهجومها الجريء دون أن تضع في الحسبان ردود الفعل الإسرائيلية المتوقعة على نطاق واسع. ومن المرجح أن يواجه الجيش الإسرائيلي مقاومة شرسة وعنيدة في غزة.

بعد مرور عام على عملية "طوفان الأقصى"، واستنادًا إلى معلومات استخباراتية سرية كشف عنها أكثر من اثني عشر مسؤولًا استخباراتيًا وأمنيًا حاليًا وسابقًا من أربع دول غربية وشرق أوسطية، خلصت صحيفة واشنطن بوست إلى أن مخططي حماس كانوا يهدفون إلى توجيه "ضربة قوية ذات أبعاد تاريخية"، على أمل أن تدفع تصرفاتهم إسرائيل إلى رد فعل مدمر. وتختتم الصحيفة بالقول: "لقد وقعت إسرائيل في الفخ الذي نصبوه لها مباشرة".

واقع الأمر أن بعض الآراء "الغربية"، التي لم تكن تقليديًا متعاطفة مع القضية الفلسطينية أو مع التوجهات المسلحة لحركاتها الوطنية، قدمت لأول مرة مبررات للهجوم المفاجئ الذي شنته حماس، والذي أحدث صدمة وزلزالًا حقيقيًا. وقد أعاد هذا الهجوم طرح "أسئلة الإفاقة" على النظام الدولي الذي استقر قبل ذلك على "التواطؤ" مع السياسات الإسرائيلية، وأشعل في أركانه حريقًا هائلًا يتسع نطاقه يومًا بعد يوم.

عندما سُئل رافائيل س. كوهين من مؤسسة راند عن العوامل التي ساهمت في شن هجوم حماس والخسائر المروعة في الأرواح في العام الماضي، أجاب دون تردد: "الجواب المختصر هو الغطرسة الإستراتيجية الإسرائيلية".

ففي الفترة التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت إسرائيل تعتقد أنها نجحت في احتواء حماس وردعها وإرضائها من خلال مزيج من بناء جدار حول غزة، وخوض حروب متقطعة على نطاق محدود، والسماح بدخول المساعدات الاقتصادية إلى غزة، وتوفير تصاريح محدودة لسكان غزة للعمل في إسرائيل. ونتيجة لذلك، توصلت القيادة الإسرائيلية إلى استنتاج مفاده أنها تمكنت من حل مشكلة حماس، ولكن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول أظهر بوضوح أنها كانت مخطئة.

وبعد مرور عام على "طوفان الأقصى"، تشير نتائج العدوان على غزة بشكل متزايد إلى أن العملية كانت بمثابة "فخ" محكم التخطيط، ليس فقط بهدف نقل ملف القضية الفلسطينية من هامش الاهتمامات العالمية إلى صميم جدول الأعمال اليومي للعالم، بل أيضًا لزعزعة ثقة العالم، على المستويين الرسمي والشعبي، في صورة إسرائيل "الضحية" والنموذج "الديمقراطي/الأخلاقي" في بيئة عربية تزعم أنها تعج بالتوحش والاستبداد والتخلف. بالإضافة إلى ذلك، فقدت إسرائيل عصا الردع التي كانت تستخدمها لترسيخ صورتها كقوة إقليمية مرعبة تخيف أي قوة معادية في المنطقة.

مما لا شك فيه أن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول وجهت ضربة قوية لسمعة إسرائيل في مجال الاستخبارات المتقدمة، وللصورة الذاتية للشعب الإسرائيلي، ولمصداقية استراتيجيتها الرادعة.

ومما يعزز فكرة "الفخ"، الذي توقع ردود فعل إسرائيلية من شأنها أن تؤثر سلبًا على صورتها "النقية" التي استثمرت فيها على مدى عقود طويلة، هو أنه منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقع أكثر من ألفي هجوم عنيف على الفلسطينيين من قبل المستوطنين الإسرائيليين.

هذا المعدل المرتفع للغاية للعنف الاستيطاني، وفقًا لتقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، يأتي في الوقت الذي اعتقلت فيه إسرائيل ربع عدد المشتبه بهم اليهود في الضفة الغربية مقارنة بعام 2022، وهو العام الذي سبق تولي الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية السلطة. وفي الوقت نفسه، استولت الحكومة الإسرائيلية رسميًا في عام 2024 على أكثر من تسعة أميال مربعة من الأراضي الفلسطينية، وهي أكبر مساحة يتم الاستيلاء عليها في أي عام منذ التسعينيات.

في الوقت نفسه، كشف "زلزال" طوفان الأقصى عن النزعات الاستبدادية الكامنة وراء ادعاءات الدولة الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط. ففي الأسابيع والأشهر التي أعقبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول مباشرة، شنت إسرائيل حملة قمع صارمة على المعارضين لخط الحكومة بشأن الحرب.

وتعرض الإسرائيليون العرب واليساريون للمضايقات وحتى الاعتقال. ووافقت وزارة بن غفير على منح تصاريح للاحتجاجات المؤيدة للحرب، لكنها رفضت الموافقة على الاحتجاجات المناهضة للحرب، بل إن الوزير نفسه دعا إلى فرض حظر كامل على المظاهرات المؤيدة للسلام.

لكن المشاكل الأخرى بدأت تظهر. فبعد أن اعتقلت السلطات الإسرائيلية جنودًا متهمين بتعذيب المعتقلين الفلسطينيين في قاعدة سدي تيمان العسكرية، اقتحم متظاهرون من اليمين المتطرف القاعدة في محاولة لإطلاق سراحهم بالقوة، وانضم أعضاء من الكنيست الإسرائيلي إلى المجموعة التي اخترقت السياج.

هذا الحدث، الذي وُصف على نطاق واسع بأنه "السادس من يناير" في إسرائيل، يوضح مدى استفحال الفساد في الديمقراطية الإسرائيلية، كما صرح زاك بوشامب، كبير المراسلين في موقع فوكس.

لا تخفي التقارير والمحللون الاستراتيجيون في العالم أن الحرب أدت إلى تفاقم الانقسام في السياسة الأميركية. فلطالما تمتعت إسرائيل بدعم واسع النطاق من كلا الحزبين، ولكن هذا لم يعد هو الحال مع تزايد عدد التقدميين والناخبين الأصغر سنًا الذين يشككون في هذا المبدأ الأساسي للسياسة الخارجية الأميركية. ومن المؤكد أن حرب غزة أدت إلى تفاقم هذا التحول، وستستمر في التأثير على سياسات الدعم الأميركي لسنوات قادمة.

لقد تسببت الحرب في غزة في فقدان إسرائيل للدعم من شرائح واسعة من المجتمع الأميركي، وهو الدعم الذي لن يكون من السهل على الولايات المتحدة استعادته. وعلى الرغم من المناقشات السياسية المكثفة التي دارت في بعض الأحيان، فإن الدعم الأميركي لإسرائيل كان تاريخيًا مدعومًا من الحزبين. وإذا حكمنا من خلال ردود الفعل التي أبدتها العديد من الجامعات الأميركية المرموقة، والتي تمثل حاضنة القادة المستقبليين، فإننا نستنتج أن المواقف الغربية لن تزداد إلا تشددًا تجاه إسرائيل، ولا شك في أن إسرائيل تواجه معضلة أميركية ستسعى جاهدة لمعالجتها لسنوات طويلة قادمة.

تجدر الإشارة إلى ما ذكره مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، حين قال: "مع سقوط كل ضحية مدنية نتيجة لغارة جوية إسرائيلية، تصبح حجج الغرب في الدفاع عن النظام القائم على القواعد أكثر جوفاء في نظر الجنوب العالمي. وإذا اتخذ شي جين بينغ في مرحلة ما في المستقبل المشؤوم قرارًا بغزو تايوان، فمن المؤكد أنه سيأمل أن يكون موقفه من حرب غزة قد زاد من احتمالية اصطفاف الجنوب العالمي خلف بكين بدلًا من واشنطن".

هكذا كان "الفخ" الذي نصبته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليس لإسرائيل وحدها، بل للنظام الدولي الذي ظل لعقود بمثابة مظلة الحماية وشهادة الضمان التي تحمي إسرائيل من المساءلة، وتجعلها دولة "فوق القانون" بصلف ووقاحة. وبذلك، كشفت المقاومة هذا العالم "المتواطئ" عاريًا تمامًا، دون أي زينة من "مكياج" الحداثة والتنوير والإنسانية الزائفة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة